ذات الشعر الأخضر
قصة قصيرة / جمال شاكر علي هارون
**
قصة قصيرة / جمال شاكر علي هارون
**
ـ يقولون إنه مرض يا سيدي !!
ـ ليس مرضا يا بنهاوي ..قلت لك ذلك ..هل لديك أولاد منها؟؟
ـ كلا ..إنها عقيم لا تنجب ...
ـ إنها حفرية حية بما تعنيه الكلمة !!
ـ ماذا قلت سيدي !!
ـ أنت لن تفهم ما أقول ...لا يفهم ذلك غير العلماء ؛ وبوصفي فرنسيا وأنت قرويا مصريا : فإنه ليس في وسعي الادعاء بأنه في إمكاني إفهامك المضمون؛ ولكن فحسب هل يمكنك أن تهبني شعرة واحدة من شعر زوجتك الأخضر ؟؟ إنني أشتري منك تلك الشعرة بمائة جنيه ...
ـ حتة واحدة !!!
ـ أجل ...إليك الجنيهات المائة ...
ـ عشت وهنئت سيدي ..لقد جاءت نقودك في موعدها ...إن زوجتي التي تتحدث عنها مريضة بالمرض الملعون ؛ وأحسب أن لا منجاة منه ..إنه في الثدي ...
وألقي القروي " بالمقطف " بما فيه من لخاف وشقف وتراب ؛ وأسرع يعدو خلف زوجته التي كادت تخر تحت حملها ؛ وقد ابتعدت كثيرا عن موقع الحفر الأثري عند سفح تل أتريب ...
تبادل الزوج مع زوجته الحديث ثم أسرع عائدا إلي عالم الآثار الفرنسي الذي وقف يصور من بعيد تلك الزوجة ذات الشعر الأخضر العجيب وهي تتهادي بين خرائب الآثار عند موقع مقبرة الملكة "تاخوتي " ؛ وما كاد القروي الحمال يعطيه الشعرة الخضراء حتي دسها في حافظة نقوده هامسا :
ـ اسمع يا سيد بنهاوي ..لقد صدرت لنا الأوامر بإنهاء عمليات الحفر علي أن نعود إليها بعد سنوات ..إنني أهبك ألف جنيه علي أن تمكنني من خدش جلد زوجتك خدشا يسيرا غير مؤلم...
ـ لبيك سيدي ..أقبل معي ...إن زوجتي ..
ـ لندعها " تاخوتي " ...اسم إحدى ملكات الأسرة السادسة والعشرين
ـ وقاك الله ..إنها هناك تقف أسفل النخيل عند سفح التل أمام خرائب الحمام الروماني ؛ لقد أعطيتها المائة جنيه وهي مبتهجة للغاية ..
وأسرع الرجلان نحو القروية العجيبة ؛ وقد ألقت بحملها من الشقف فوق أحد الأكوام المتناثرة هنا وهناك ...
جعل الفرنسي يحدق إلي الشعر الأخضر وهو يكاد لا يصدق أنه ـ بشحمه ولحمه ـ أمام تلك الحفرية الحية ..لون : لا بد وأنه كان موجودا عند قدماء المصريين ثم انقرض في الأجيال الصاعدة ؛ وربما صيره الزمن والامتزاج بالشعوب المستعمرة صفة متنحية لا يمكن لها أن تسود فتظهر ....
وتضوعت الأيام فوق بوتقة الزمن : وعادت بعثة التنقيب الفرنسية إلي نفس الموقع من تل أتريب ؛ وتوقفت عربة العالم الفرنسي الفخمة ؛ وهبط هو وبقيت زوجته الجالسة إلي جواره..
طفق الأثري يتعرف إلي عمال الحفر؛ وأقبل نحوه رجل هرم سرعان ما عرف فيه " بنهاوي " ...
ـ مرحبا بالرجل الطيب بنهاوي ..أين زوجتك ؟؟؟
ـ تعيش أنت يا سيدي ...لقد ماتت منذ سنين ...أتذكرها !!! إنك إنسان فاضل ولا ريب ..
ـ لقد كانت حمالة نشطة مجدة حقا ..كانت هي السابقة دائما إلي حمل مخلفات الحفر ..والآن لمما يشرفني أن أقدم لك زوجتي ...إنها الملكة " تاخوتي " ذات الشعر الأخضر ...
وفتح العالم باب العربة ؛ وهبطت زوجته في ثوبها المخملي الأحمر ؛ وما كادت تمد يدها للقروي مسلمة عليه : حتي تهاوي الرجل من عليائه وقد صعقته المفاجأة...،،،