دعوة لتنشيط السياحة بعد الثورة
الإسكندرية سيدة الأساطير
حسين أحمد إسماعيل
مجمع المساجد بالإسكندرية
عمود السوارى
من المتحف اليونانى الرومانى بالإسكندرية
جزء من ذراع تمثال رخامى من حفريات أتريب بالمتحف
ميناء الصيد .. وكل الصور من تصويرى
ميدان محطة مصر
الإسكندرية سيدة الأساطير
حسين أحمد إسماعيل
مجمع المساجد بالإسكندرية
عمود السوارى
من المتحف اليونانى الرومانى بالإسكندرية
جزء من ذراع تمثال رخامى من حفريات أتريب بالمتحف
ميناء الصيد .. وكل الصور من تصويرى
ميدان محطة مصر
أدعوكم لزيارة الإسكندرية , فهى ليست عروس البحر المتوسط فقط , ولكنها جميلة مثل الملائكة .. إنها مدينة أسطورية , عريقة ومتحضرة , وثمينة ومشهورة كالذهب ,.. يعشقها البحر والمتصوفة الكبار , وإذا زرتها فاذهب إلى مجمّع المساجد مقابل ميناء الصيد , سترى منطقة شعبية تحت وصاية الأقطاب والبحر , ففى مدخل المنطقة بعد حديقة النخيل مسجد صغير جميل مزين بالآيات القرانية البارزة وهو مسجد سيدى البوصيرى , صاحب البردة المشهورة التى يتغنى المتصوفة والدراويش بها فى أذكارهم والتى عارضها مئات الشعراء ولم لا ؟ فقد نطق فيها بالفرائد ألم يقل :
فما لعينيك إن قلت اكـــفـفـا هـمتا *** وما لقــلبك إن قلـت استفـقْ يهم ِ
وقال :
محَّضتنى النصح لكن لست أسمعه *** إن المحب عن العُذال فى صمم ِ
وقال :
محَّضتنى النصح لكن لست أسمعه *** إن المحب عن العُذال فى صمم ِ
وبعد مقام البوصيرى مسجد ومقام أبى العباس المرسى المولود سنة 616 هـ , القطب الكبير وسيد تلك المنطقة الذى أتى من الأندلس من مدينة مرسية , بصحبة شيخه وأستاذه أبى الحسن الشاذلى , فعندما نادته الإسكندرية لبى النداء , وبجواره مسجد ياقوت العرش تلميذه الذى كانت روحه متعلقة بالعرش , وجسمه على الأرض , وتزوج ابنة أستاذه أبى العباس , ومسجده أيضا تحفة معمارية بقبابه الرشيقة وحديقته التى يقام فيها مولده فى رمضان من كل عام .. يا لها من صحبة صوفية رائعة !!! الأستاذ الكبير وتلميذه وتلميذ تلميذه , وكل منهم قطب وأستاذ ..
انظر وتأمل , وقلب روحك فى الآفاق , ولو كنت مزدهر الإحساس , فيمكنك أن تسمع رفيف أجنحة الملائكة , وهى تستمع إلى القرآن الكريم والأناشيد الدينية فى هذه المنطقة من حى الأنفوشى . وإذا اتجهت شمالا على الكورنيش القديم ستجد بعد قليل نصب الجندى المجهول يواجه البحر على شكل قوس , وعليه حراسة دائمة تقديرا لهم .. تذكر ألوف الجنود الذين ضحوا بحياتهم , وماتوا دون أن يعرف مكانهم أحد , ولكن الله يرعاهم .عشرات الألوف , ومئات الألوف , وملايين الجنود على الكرة الأرضية ماتوا فى الغالب سدى , تحقيقا لنزوات بعض القادة والزعماء الذين أصابهم جنون العظمة , وتحكم فيهم غباء الطين .. وتذكر أيضا حروبنا العادلة لتحرير سيناء ..
وبعد الجندى ستصل إلى ميدان سعد زغلول , ميدان اعتصامات 8 يوليو , وفيه تمثال رائع فى حديقته للمثال العبقرى محمود مختار , الفرعونى فنا وأخلاقا , والميدان يواجه قوس الساحل الذى يمتد من مكتبة الإسكندرية الجديدة إلى قلعة قاتيتباى , وخلف الميدن شارع النبى دانيال , وهو شارعى المفضل فى الإسكندرية – لماذا ؟ - لأنه قرين سور الأزبكية فى القاهرة , وكثيرا ما تجولت به بين أكشاك بيع الكتب القديمة أبحث عن فواكه الطعام الروحى , وقد دارت إحدى روايات نجيب محفوظ فى هذا الشارع الذى يبدأ من محطة مصر بجوار المسرح الرومانى .
ومن وسط الشارع يمكن أن تذهب إلى متحف كفافس الشاعر اليونانى العالمى والذى ولد ومات ودفن فى مدينته التى عشقها أكثر من أية مدينة أخرى .. وكفافس عاشق للتاريخ . والمتحف فى شقته الكبيرة تحت رعاية السفارة اليونانية , وفيه صور له وبقايا مما استخدمه , وألوف الكتب من جميع لغات العالم تتحدث عنه .. ورغم أننى كنت أمر بجوار المتحف يوميا , ولكننى سألت مئات الأشخاص عن متحف كفافس , ولم يعرفه أحد , وكانوا يدلوننى على المتحف اليونانى الرومانى . وبعد يومين من البحث قال لى أحدهم : مش ها يدلك إلا الخواجة صاحب مطعم سانتا لوشيا , وفعلا أرسل أحد العاملين بالمطعم معى , فدلنى على المتحف متحف أحد أشهر شعراء العالم الذى مات من أكثر من سبعين عاما .( 1863 / 1933 ) وفى المتحف ومصادفة قابلت آخر من رأى كفافس , وهى كريستين , ولم أعرف أنها آخر إنسان رأى الشاعر إلا بعد أسابيع , فقد كانت فى التاسعة من عمرها عندما مات الشاعر , وكانت تمتلك مطعما تراثيا قديما مبنيا بالخشب فى شارع صفية زغلول وتعلق على الحوائط لوحات للشاعر ومن قصائده الجميلة قصيدة شموع من ترجمة د . نعيم عطية , وهو ناقد كبير وأمه يونانية , ومتخصص فى الأدب اليونانى , وهو أفضل من قدمه إلى العربية :
شموع
أيام الغد تقف أمامنا
مثل صف من الشموع الصغيرة الموقدة
شموع صغيرة ذهبية حارة
ومفعمة بالحياة .
الأيام الماضيات تبقى فى الخلف ..
خطا حزينا من الشموع المطفأة
وأقربها مازال يتصاعد الدخان منها ,
شموع باردة ذائبة ومحنية .
لاأريد أن أراها ,
فمرآها يبعث الشجن فى نفسى ,
ويشقينى أن أتذكر نورها الأول ,
فأنظر قدما إلى شموعى الموقدة .
لا أريد أن ألتفت ورائى
خشية أن أبصرها فيتملكنى الرعب ,
وأنا أرى الخط المظلم يمعن فى الطول ,
والشموع المطفأة سرعان ما تتزايد .
************************************
لاتزر عروس الشرق بدون كاميرا جيدة , فسوف ترى ألف مكان يستحق التصوير , وعلى رأسها البحر وقت الغروب .. الغروب الذى لم أملّ من تصويره يوما , الغروب الذى خلده الشعراء فى قصائدهم , فهو وقت محمل بالمشاعر والعذوبة والإحساس بالفراق , وإذا كانت السماء مرصعة بالسحاب , فسوف تشاهد ما يملأ كيانك بالجمال , وربما الحزن الشعرى الشفيف .
ومن ميناء الصيد يمكنك أن تؤجر قاربا صغيرا بعدة جنيهات , ولا تنس المساومة على السعر .. ستستمتع بمنظر قوارب الصيد من كل الأحجام , وحياة الصيد الشعبية , وتصور قلعة قايتباى والميناء , وتصور المدينة من البحر .. ومن المهم أن تزور القلعة , فجوها العام ساحر , وفيها متحف الأحياء المائية , سوف تشاهد هيكلا عظميا هائلا لأحد الحيتان , وفيه أنواع متعددة من المخلوقات البحرية , وأمام القلعة سوق لمنتجات البحر : الإسفنج , وفكوك أسماك القرش المخيفة بأسنانها الحادة , وجميع أنواع القواقع وفرس البحر ونجمة البحر والشعب المرجانية , وأنا من عشاق القواقع , وأجد فى الإسكندرية تنوعا كبيرا , ولعشاق القواقع أيضا أدلهم على سوق الجمعة فى مقابر الإمام الشافعى بالقاهرة .. اذهب بعد ذلك إلى مكتبة الإسكندرية , وسوف تجد البحر المفتوح , فتنفس ملء رئتيك , وانظر إلى قوس البحر على حافة الأفق , والمكتبة فى الشاطبى , وهو صوفى أيضا , وله مسجد جميل . ألم أقل لكم إنها مدينة الصوفية , ولسيدى بشر أيضا مسجد جميل مرتفع عن الشاطئ .
وللمكتبة تصميم حديث , وسأقول لكم سرا : أنا لاأحب تصميم المكتبة . لم أحبه منذ رايته فى عام افتتاحه 2002 , لأنه نشاز فى المنطقة , وهو عار معمارى , واختلاف الرأى لا يفسد للود قضية , رغم أنه كثيرا ما يفسد الود كله .
عمود السوارى من أسفل
ويمكنك أن تزور المتحف اليونانى الرومانى فهو يستحق الزيارة إن كنت تهتم بجعلها سياحة ترفيهية ثقافية , وسوف تجد فيه أثارا من أتريب , ولا تنس عمود السوارى , وهو أعجوبة أثرية بارتفاع ستين ذراعا , وهو عمود رخامى مستدير , وله تاج جميل , وحوله آثار فرعونية رومانية , والعمود له مهابة وسيطرة تامة على أفق المنطقة . وقد ذكر ابن بطوطة الرحالة المغربى فى كتابه : تحفة النظار فى غرائب الأمصار وعجائب الأسفار . أن أحد الرماة صعد إلى أعلى العمود , ومعه قوسه وكنانته , وشاع خبره , فاجتمع الناس لمشاهدته , وطال العجب منه , ولم يعرفوا كيف صعد . والحقيقة أنه رمى بنشابه وقد ربط به خيطا طويلا , وعقد بطرف الخيط حبلا قويا, فتجاوزت النشابة اعلى العمود ووقعت من الجهة الموازية للرامى , فصار الخيط على العمود فجذبه حتى توسط الحبل أعلى العمود مكان الخيط ,فأوثقه من إحدى الجهتين , وتعلق به صاعدا , واستقر بأعلاه وجذب الحبل , واستصحب من احتمله , فلم يهتد الناس لحيلته , وعجبوا من شأنه .
وقال ابن بطوطة عن الإسكندرية أيضا : " الإسكندرسة ( حرسها الله ) هى الثغر المحروس , والقطر المأنوس , العجيبة الشأن , الأصيلة البنيان , بها ماشئت من تحسين وتحصين , ومآثر دنيا ودين , كرمت مغانيها , ولطفت معانيها , وجمعت بين الضخامة والإحكام مبانيها , فهى الفريدة تجلى سناها , والخريدة تـُجـْلى فى حلاها , الزاهية بجمالها المُغرب ,الجامعة لمفترق المحاسن لتوسطها بين المشرق والمغرب , فكل بديعة بها اجتلاؤها , وكل طرفة فإليها انتهاؤها , وقد وصفها الناس فأطنبوا , وصنفوا فى عجائبها فأغربوا ".
الإسكندرية أنجبت سيد درويش , قطب والفن وأعجوبة الغناء , وصاحب السحر الفنى الذى لا ينفد , أستاذ البساطة المدهشة .. نعم .. أستطيع أن أكتب كتابا من عشرة آلاف صفحة من القطع الكبير فى حجم لوحات الرسم ، والحروف الصغيرة، أمدح فيه سيد درويش، ، ولن أوفيه حقه.
من الشاطبى يمكن أن تسير على الكورنيش الواسع الجميل على قدر ما تستطيع , لتمتزج روحك بالأفق المفتوح , واجلس على الكورنش أو على مصدات الموج لتستمع إلى صوت الأمواج , اجلس عدة ساعات بهدف واحد أن تتشبع حواسك بموسيقا الأمواج , وتأكد أنك اقرب ما تكون من الأبدية , ومن روح الحياة .. ومن الشاطبى إلى ابى قير سترى شواطئ جميلة مزدحمة حتى أنك يمكن أن تتساءل : هل مصر كلها هنا ؟ اختر أى شاطئ يعجبك , واقض به وقتا ممتعا فى مياه البحر , واستمتع بحركة وقوة الأمواج , واعرف أنك تتصل بكل مياه العالم .
ومن أجمل الأماكن الشعبية التى تأكل فيها السمك مشويا طازجا , محطة مصر , وأبو قير , ويمكن أن تقابلنى على الكورنيش أحمل حقيبتى على كتفى , وكاميرتى فى يدى , وفى جيبى مفكرتى وقلمى .. سأرحب بكم , وأكتب لكم قصيدة شعر إهداء منى , وأدلكم على كل مايستحق الزيارة .. زوروا الإسكندرية لتفوزوا بوقت رائع وتدعموا الساحة الداخلية بعد الثورة .