قيلولة مرفهة للمكافحين
هذا المنظر التراثى أراه من سنوات على كورنيش بنها بين مجلس المدينة , ونادى الشرطة .. كورنيش بنها مظلل بأشجار البانسيانا التى تعطى خضرة غزيرة , وظلا وارفا , وجمالا نادرا عندما تزهر بأزهارها الحمراء القانية ربيعا .. كورنيش بنها الجميلة مميز .
وكلما مررت فى ذلك المكان الظليل أجد هذا المنظر التراثى البديع : المكافحون الثلاثة , السائق , والحصان والحنطور , وكل منهم يكافح فى الحياة بطريقته الخاصة , فالحنطور يكافح ضد الاندثار والانقراض , والحصان زال معظم مجده التالد الذى قال عنه أمل دنقل : " الفتوحات فى الأرض مكتوبة بدماء الخيول " والسائق يكافح طوال يومه ضد الشيخوخة , وضياع مملكة الحنطور .. إنها استراحة المحاربين . من عناء العمل والكفاح فى شوارع بنها فى حرالصيف, وربما قراها القريبة بحثا عن الرزق الصعب فى زمن تواصل فيه أسطورة الحنطور ضياعها , تلك الأسطورة التى خلدها المطرب الشعبى سعد الصغير فى أغنيته : أركب الحنطور , والتى انتشرت انتشارا هائلا لسنوات خصوصا فى الأفراح الشعبية ذات السماعات التى ترج الحارات والشوارع والقرى بأصواتها القارعة .. ويأخذنا الحديث عن دور الفن المهم الذى يشكل الحياة , مؤثرا سلبا وإيجابا , وغارسا قيما وسلوكيات نتفق أو نختلف معها , كما أنه يصنع أساطيره ونتذكر موال أدهم الشرقاوى لمحمد رشدى الذى صنع أسطورة أدهم الشرقاوى , وهو فى الأصل عند الحكومة لص وقاطع طريق .. لقد خلده موال محمد رشدى ..
كان فى بنها أكثر من موقف للحناطير منذ عقدين قبل أن تصبح من الآثار , موقف قرب محطة القطار , وآخر قرب ميدان سعد زغلول , تعرف الحناطير بعض مجدها القديم أيام الأعياد , فتجدها محملة بالأولاد والبنات فى فرحة العيد ..
الزمن القديم مضى بناسه , وحياته , وحيواناته , وطيوره ,,, وانقرضت مهن , وطرق عيش , وأدوات لم يعد أحد يستعملها , إلا قلة نادرة , فلى صديق يستعمل حتى الآن وابور الجاز , ولم يتركه أبدا , وهذه حالة لا يقاس عليها ..
أنا أغبط سائق الحنطور, وتعجبنى نومته الهانئة – هكذا أتمناها له – على صدر الأرض الأم العظيمة . نعم , فأنا فلاح , ونمت كثيرا على صدر الأرض الأم فى الغيط , وشعرت بأنفاس الطبيعة , ونبض الأرض , وقوة الحياة قبل أن أصبح جاهلا , وأترك العمل بالفلاحة التى كنت أتعلم منها كثيرا .. وهذا موضوع آخر