كان العالم مصريا
حسين أحمد إسماعيل
تاج رائع من الرخام من أتريب
الأهرام الساحرة فى ضباب الصباح
الهرم الأسود : هرم من الطوب اللبن
فى دهشور
معبد الوادى لهرم خفرع , ويظن البعض
أنه معبد "أبو الهول"
أبو الهول فى الصباح
حسين أحمد إسماعيل
تاج رائع من الرخام من أتريب
الأهرام الساحرة فى ضباب الصباح
الهرم الأسود : هرم من الطوب اللبن
فى دهشور
معبد الوادى لهرم خفرع , ويظن البعض
أنه معبد "أبو الهول"
أبو الهول فى الصباح
· كل ذي عقل ومشاعر وخيال خصب لابد أن يلتوي قلبه في صدره , عندما يخطو في حقل المشاعر , بين قاعات المتحف المصري , تهوّم حوله أرواح الأجداد العظماء , وتسخر من ذلك الحفيد الفسل , الذي ترك كنوزهم المقدسة نهبا للأفاقين , واللصوص من كل بلاد العالم .
وإذا كنت تمتلك خيالا جامحا فلابد أن تهيج مشاعرك , وتتفتح روحك , عندما تقف في حضرة الأهرام بجبروتها , وسحرها, وأسرارها ..
ستري الأهرام الثلاثة , وقد كُسيت بالأحجار البيضاء المصقولة اللامعة , أو بالجرانيت , لذلك لم تكن الأهرام مدرّجة كما هي الآن , بل كانت
مستوية ملساء , وحولها عشرات الأهرام الأصغر..الأهرام الدقيقة الصنع , أمام كل هرم شرقا معبد جنائزي فخم , والأسوار الضخمة الجميلة تحيط بالهضاب المقدسة .
وستري نقوشا وكتابات هيروغليفية ساحرة تغطي سطح الأهرام .. كتابات تملأ ألوف من المجلدات , وتحتوي المعارف الهائلة المنظمة , هبة للأجيال القادمة .
عندما تشرق الشمس تنعكس علي الأهرام ...ثلاثة أهرام , ثلاثة جبال تلمع كالجواهر , جبال من السحر والإرادة الإنسانية , والفن النهائي . وأبو الهول ذو البسمة الإلهية الخالدة يحرس بوابات الزمن... والأرواح في العالم الأخر تحتمي به .
ستري في الأعياد مئات الألوف من الشعب الجبار, يحج ويطوف سبعة أيام في منطقة الأهرام المقدسة , يرعاهم الكهنة .. وطوال العام يفد الكهنة الصغار لدراسة العلوم والفنون بشكل منظم حول الأهرام , وفي المعابد.. والشمس المصرية تغمر الوجود.
وإذا اتجهت جنوبا , وجلست ساكنا في حضرة الأجداد شاعرا بتأنيب الضمير, لتفريطك في كنوزهم ومسلاتهم فبأي شيء ترد إن سألك أحدهم أين المسلات أيها الحفيد السفيه؟ إن روحي تتعذب لأنني أنجبتك.
وحين تعبر إلى وادي الملوك , فلابد إن تستمع إلي النيل وهوي يبكي مقهورا.. النيل يجهش باكيا , فلم يعد حوله من يقسم أمام المحاكم بأنه لم يلوث مياه النيل . لم انهارت الحضارة المصرية ؟!!! وأية لعنة ألمت بها ؟!!
انهارت وبدا الضعف والخراب في الشخصية المصرية ,عندما نسي المصريون وصايا الحكماء الكبار الذين خططوا لهم طريقهم , فأصبحت أرض مصر نهبا للمغامرين والغزاة , فتلوث صباح مصر, وتلوثت مياه النيل. فمتى يولد الولد الفرعوني النقي الذي سيضخ الروح في كل كائن ,وفي كل شبر,لتعود الشمس مصرية وتعود مصر سيدة العالم ؟ .
زاد تدمير آثار الحضارة المصرية في العصرين المسيحي والإسلامي باعتبارها آثارا وثنية , وبسبب الجهل بقيمة الآثار وأهميتها . قرون طويلة مظلمة مرت علي الآثار حتى وصلنا إلي العصر الحديث , فكان الحكام يهدون الأجانب اثار وكنوز مصر, ويفتحون الباب لنهب ما لا يقدر بمال.
وهاهي المسلات المصرية في ميادين مدن إيطاليا وتركيا وفرنسا وأمريكا. المسلات التي أفنى الفنانون أعمارهم في نحتها شاهدا ورمزا عليهم.
وهاهي متاحف أوربا تخصص أهم قاعاتها للكنوز المصرية المنهوبة. ها هي التماثيل تبكي في غربتها , والمومياوات تحترق حزنا وغربة , لأنها ستضل في العالم الآخر بعد أن سرقها الأفاقون من موطنها المقدس بمساعدة أبناء مصر .
إن المسلات و الآثار الموجودة في المتاحف الغربية معروفة , ويمكن استعادتها في يوم من الأيام , ولو بعد ألف عام عندما تحكم مصر العالم من جديد , ولكن الآثار الموجودة في بيوت و قصور الأثرياء لا يعرف أحد عنها شيئا , فمعظم الأثرياء الغربيين نهبوا من الكنوز ما لا نعرفه.
وعندما انتبهت الحكومة المصرية الحديثة - بعد عصور الاستبعاد والمهانة - لقيمة ألآثار , ووضعت القوانين الخاصة لحمايتها ، تكونت عصابات مصرية و دولية للنهب والتدمير ، فهم يدمرون المومياوات للحصول علي قطرات من الزئبق الأحمر الذي يستخدم – حسب زعمهم - في السحر الأسود ، وأشياء أخرى ، وتصل ثمن الجرامات إلى ألوف الجنيهات ، أغلي من اليورانيوم .
المومياوات المسجونة في متاحف الغرب , والتماثيل المقدسة , و الأيقونات ، وكل ما يتصل بالروح المصرية القديمة , جميعها تبكي غربتها إلي "أبو الهول" الذي وقع في اليأس فأسلم نفسه بإرادته لعوادي الزمن والمناخ , لكي ينتحر ، فلم يعد يحتمل بكاء الأرواح المغتربة ، والأرواح التي تحت رعايته يراها ألعوبة لكل فسل .
لم يعد يحتمل أن يرى أحفاده يتاجرون بكل مقدس ، ويعرضون الملوك العظام وكنوزهم .. الملوك الذين حكموا الأرض ، وحطموا أسوار العقل و الروح ، يدورون بهم علي متاحف العالم متسولين بضعة ملايين مقابل خسائر مادية ومعنوية مرعبة لمن يقدرها .. لقد جعلوا مقدساتهم (سبوبة للربح) بلغ السيل الزبى , عندما أبصر "أبو الهول" اليهود يحاولون سرقة تاريخ ألأهرام , وينسبونه لأنفسهم . إنهم يفعلون ذلك بإصرار النمل وصبره ومن خلال آلة ألإعلام الأمريكية الجبارة ، لذلك وصل أبو الهول إلي أرض اليأس الكامل وأسلم نفسه للشمس وللريح وللأمطار , ولن تنفع معه ترميمات.
إن ما يدعو للعجب أنه طوال القرون الماضية والآثار المصرية تنهب بلا هوادة , و حتى من قدّر الآثار المصرية مثل كارتر مكتشف مقبرة توت عنخ آمون , فقد سرق ثلاثمائة قطعة من كنوز الملك .
ورغم ذلك فها هي الكنوز والآثار تملأ أرض مصر , وما لم يكشف عنه أضعاف ما تم اكتشافه أو سرقته . هناك مقابر محصنة , ومدن كاملة غمرتها رمال العواصف الجبارة .
لماذا كل هذا الثراء ؟!!! لأن مصر هي فجر الحضارة وضحاها .
فجر الضمير وضحاه , وحضارتها لا تمتد إلى سبعة آلاف سنة كما هو شائع , بل إلى عشرات الألوف من السنين , حتى وصلوا إلى أن جعلوا العال هرميا , فالأهرام ذروة حضارتهم , وقمتهم المضيئة .
والآن لماذا نهتم بالتاريخ ؟ نحن نؤ كد على عظمة بلادنا بين بلاد العالم . هناك دول بلا تاريخ تسرق تاريخنا وتزيف تاريخا لها بلا أدلة , بلاد بلا جذور , وبلا هوية , تسير قوية في ركب الحضارة , بل تقود الحضارة الحديثة . ونحن بكل ما نملك لا نلحق بها , لذلك نهدف لإحياء الروح القومية الممتدة في التاريخ , لتتماسك أمام الآخرين , وتخطو إلى المستقبل ..
نشر المقال فى مجلة أخبار الأدب فى 23 يناير 2000
الصور المصاحبة للمقال من تصويرى بكاميرات متنوعة , وقد أصلحت الألوان ببرامج خاصة بالتصوير مثل : معرض الصور , وبرنامج بيكاسا 2