هبة والامتحان
ا/ عابدين الشعراوى
و ها أنت تقف بجانب ابنتك فى لجنة الامتحان – معرضا نفسك وإياها للخطر – ولا تستطيع لها شيئا ،فبرغم أنها تمتحن مادتك اللغة العربية ، إلا أن حياءك وخجلك وخوفك منعك من الاستعانة بمراقب اللجنة ، وتنظر لك ابنتك بخيبة أمل ، كيف لا تستطيع أن تعمل شيئا ؟ فعندما ذهبت لترى ورقتها .
لم تستطع أن ترى شيئا فالسطور تداخلت فى بعضها البعض ، وتشوشت رؤيتك وأظلمت الدنيا ، وأخذ منك الزميل الورقة ، لتخرج من اللجنة ، والدنيا تدور بك ، ما هذا الذى يحدث لك ؟ " أأنت الذى كنت تتجبر فى لجانك , وكأنها حلبة مصارعة وتغضب وتثور لمجرد أن ينظر الطالب بجانبه وتأخذ ورقته وإن حاول فقط جذبها أو مقاومتك كنت تنهال عليه بكلتا يديك وينصحك زملاؤك بالتريث والصبر على الأولاد وأنهم مثل أبنائك ولم تقبل لهم كلمة ويأتيك رجل كبير ربما تخطى عمره عمر أبيك لتكون رفيقا فى مدرسته ولم تكبر له ليخرج من بيتك حزينا .
لم يستطع أحد طوال حياتك الوظيفية أن يوصيك على ابن له أوابنة فقد كان لك أذن من طين وأخرى من عجين فقد كان ذلك أمرا صعب المنال .. و ها أنت لا تجد من تستنجد به أو تلجأ إليه ليحل مشكلتك لتقف أمام اللجنة و لا تستطيع قدماك أن تحملاك مع بصرك الزائغ وحزنك المقيم وخوفك المرعب من رسوبها.
ابنتك صاحبة المرض المزمن والذى جعلك رغما عنك أن تكون رحيما بها وغيرها ورغما عنك أيضا جعلك كسيرالقلب تخاف عليها من النسمة العابرة ولا تستطيع إطلاقا نسيان مقولة المرأة العربية أحب أبنائى إلىّ : الغائب حتى يعود, والصغير حتى يكبر, والمريض حتى يشفى .
وها أنت تطلب رحمة الله وتدعو لها كل الأوقات بأن يشفيها الله , ويعافيها رحمة بك وبها حتى تراها مثل كل البنات لتواصل تعليمها وحياتها سليمة ومعافاة فقد تسببت فى ابتعادها عن زملائها فى مدرسة البلدة لتأخذها معك فى مدرستك البعيدة التى تعمل بها فلا أنت تركتها وسط زميلاتها ولا أنت استطعت لها شيئا فى مدرستك .
ربما تكون قد أضررت بها إذ جئت بها وسط زميلات جدد لم يحسن استقبالها ولا معاملتها فهى غريبة عنهن ..لم تستطع أن تكيف ظروفها وأصابها الوضع الجديد بالضيق من بنات اعتبرنها غريبة عنهن فشققت عليها وهذا ما استطعت صنعه لها .
سامحينى يا ابنتى لقد أسأت لك من حيث أردت النفع حتى الدفاع عنك لم أستطعه عندما جئتينى باكية من زميلتك لأصعد معك فى اليوم التالى لتتبجح فىّ البنت أيضا وأشكو اللجنة وكأنها لجنة ثانوية عامة لتنقل هذه الكلمة للمدير ليتهمك بأنك تريد أن تغشش الأولاد لتقف موقف المتهم وكل ما أردته أن تخفف جو الإرهاب المضروب حول الأولاد فهم حديثو عهد بالابتدائى وأضعف مما نصنعه بهم "