الصورة من مدونة عالم الإبداع
رائحة التفاح
القاص : كمال جاد
هل كان قصدا أن أمر من شارع سيد أبو قطيفة عندما نجحت فى الابتدائية ؟ لا أعرف على وجه الدقة.. هناك شوارع ودروب كثيرة تؤدى إلى بيت جدى .. أتوجد رغبة داخلية فى مشاهدة صاحب القلم المكسور وهو راسب , هذا الذى تسبب لى فى علقة ساخنة مازالت آثارها منحفرة فى داخلى .
يجلس سيد القماش فى دهليز الدار على حصيرة نظيفة مغطاة بكليم ثقيل .. يسند ظهره إلى مسند قطنى ضخم , وأمامه صينية بها فواكه ( موز مغربى – تفاح أحمر مستورد ذو رائحة متميزة شهية , أشمها حين أقترب من أكشاك البيع القريبة من جسر الرياح التوفيقى .
يرانى.. يتهلل وجهه :
- أهلا أهلا بحفيد الغالى .. إنت رايح فين ؟
= رايح بيت جدى .
- وعملت إيه السنه دى ؟
= نجحت والحمد لله .. ( ترتسم على وجهه علامات الدهشة )
- نجحت ؟!!! ..
" يتوقف عن الأكل ثم ينظر إلى زوجته التى كانت تجلس على مقربة منه .. تفز من مكانها .. يناولنى تفاحة كبيرة .. أنهشها .. يهش فى وجهى أكثر ". عفارم .. عفارم .. قل لى .. إزى أمك وأبوك .. أنا عاوز أسألك سؤال كده يعنى ( يصمت قليلا ) إنتوا بتاكلوا إيه فى البيت ؟
= نطبخ مرة واحدة فى الأسبوع .. الخميس .
- وباقى الأسبوع ؟
= نقضيها قرديحى .. جبنة قريش .. جبنة قديمة أو مش مع العيش الذرة .
- مش مع العيش يا سلام ... ونجحت ؟ !!!
= الحمد لله .
- يعنى كام واحد نجح ؟
= معظمنا .. كل الجماعة بتوعنا .. وعلى الديب جاب مجموع كبير .
- ابن المكوجى ؟!!
= تمام .
يقوم سيد أبو قطيفة عن فراشه بعد أن ناولنى ثلاثة أصابع من الموز وتفاحة أخرى .. يدخل الدار .. يلتقط الكرباج .. ينهال ضربا على ابنه الذى اختفى عندما رآنى.. تحاول الأم إنقاذه فينهال عليها ضربا هى الأخرى .. أستمر أنا فى نهش الفاكهة , وأسمعه يتميز غيظا وهو يضرب ابنه :
تسقط ياابن الكلب .. تسقط وإنت بتاكل لحمة كل يوم .. وينجح ابن المكوجى واللى بياكل مش .. يعوى الولد كذئب جريح عواء يذكرنى بتلك الحشرجات والصرخات التى كانت تخرج رغما عنى عندما كان أستاذ الحساب يعصف بى ضربا .
تمر الأعوام , وندور فى عجلة الزمن .. لا تتوقف .. وكلما أنجح فى امتحان أشم رائحة التفاح تنتشر .. تنتشر حتى تملأ كل كيانى .
- أ / كمال جاد .. معلم أول لغة انجليزية , وقاص , وله مجموعة قصصية بعنوان : هذا الانتظار .
- من مواليد كفر شكر . ويعمل حاليا بسلطنة عمان .
- حاصل على الماجستير عن الفتوة فى روايات نجيب محفوظ , ويعد رسالة دكتوراة عن شعر محمد عفيفى مطر