[rtl]مدرستنا فى طريق اللصوص[/rtl]
[rtl]عام 2009 ذهبتْ المديرة ومعها ناظرة المدرسة إلى تدريب لمدة خمسة أشهر فى الزقازيق ثلاثة أيام أسبوعيا , وكان لابد أن يدير الوكلاء المدرسة , وهذا أمر عادى , ولكن غير العادى أن المديرة أرادت أن ندير نحن الوكلاء الحلقتين فرفضنا رفضا قاطعا أن ندير الحلقة الابتدائية , وفى اجتماع عام رفض الوكلاء بدون تنسيق مسبق , وقال كل منا , أنا مسئول عن إدارة الحلقة الإعدادية , وللحلقة الابتدائية ناظرة تديرها .. [/rtl]
[rtl]كان الأمر لا يحتمل كثيرا من النقاش , وكان واضحا , ولكن المديرة افتعلت مشكلة , ونادتنى لأوقع فقلت ما عندى , وعندما ضايقتنى بكلامهما , قلت لها : " حضرتك مديرة المدرسة ومش قادرة على الابتدائى احنا ها نقدر عليهم إزاى " وحكيت قصة الطفل الذى انكسرت ذراعه من يومين بسبب الإهمال , وتم طرده خارج المدرسة خوفا من المسئولية , ولم يهتم أحد بالطفل , فانفعلت المديرة وغضبت منى , ووقفتْ وكانت جالسة – لأن كلامى واقعى – وقالت : " إزاى تقول كده ؟ يعنى إيه مش قادرة عليهم ؟ لاحظت ابتسامات تشفى , فخرجت من الحجرة المزدحمة بمن لا علاقة لهم بأى أمر , خرجت حتى لا أصطدم بها فى معركة لا معنى لها , وعموما مثل تلك المعارك يومية , بل كل ساعة , وهى أساس العمل حتى ألف الجميع خمس أو ست خناقات كبيرة فى اليوم الواحد , وفى النهاية وقعنا على توكيل خاص بإدارة مدرستنا فقط ,,,,,,[/rtl]
[rtl]كان فى مدرستنا حارسا أمن , الأول بتاع بانجو وحشيش , ويقول أنه من سيناء , ولم نكن نعرف له بلدة , وكان يفعل أى شىء وكل شىء من أجل الفلوس , حتى أنه كان يتسول فى وقت الفراغ كما قال لى أحد الزملاء من أولياء الأمور العاملين بمدرسة مجاورة , وهذا الحارس مسجون الآن متهما بجريمة قتل , وهذه حكاية أخرى لها وقتها , والحارس الثانى كان مريضا نفسيا , ويرفض التوقيع فى دفتر الحضور والانصراف , وكانت وكيلة شئون العاملين تخاف منه بسبب ظروفه الخاصة , فقد كان متعاليا جدا عن وضعه كحارس أمن ,,,,, وقد تمت سرقة المدرسة عدة مرات سرقات كبيرة , وكنا نتعاون حتى نعبر المشكلة ,,,,,[/rtl]
[rtl]حصل حارس الأمن الأول على إجازة شهرا من التأمين , وأصبحت المدرسة فى مهب اللصوص – كالعادة – ولكنى رفضت أن أقبل هذا الوضع العادى , لأنه خطير , ومن يفهم حقوقه وواجباته لابد أن يحتاط للأمر, فأرسلنا عدة خطابات للإدارة بأن المدرسة بلا حارس أمن , والحارس الآخر المريض كان متغيبا , والعامل الوحيد كان معوقا , وفى اليوم التالى أى يوم إدارتى للمدرسة كانت المدرسة بلا حارس أمن , فأرسلت زميل بخطاب إلى الأستاذ جمال العربى مدير عام الإدارة – والذى أصبح وزيرا فيما بعد – وكان فى اجتماع للاحتفال فى مدرسة بنها الثانوية , فأشر عليه , بالتوجه إلى الأمن العام , وكان فريق أمن الإدارة كله معه فى الاحتفال , فذهبت بعد انتهاء اليوم الدارسى إلى بنها الثانوية , وكان الاحتفال " مولد كبير " , وعرفت أننى لن أستطيع مقابلة المدير العام , وكانت تأشيرته لأمن الإدارة , لامعنى لها .[/rtl]
[rtl]جلست على مقعد أشاهد المدير العام يدور على حجرات الأنشطة , ومعه لفيف من المسئولين , وحين رأيت مسئول الأمن أريته توقيع المدير العام , وحكيت له الحكاية باختصار , فقال الساعة الوقتى تلاته , ومفيش حراس أمن فى الإدارة , وهانعمل إيه ؟ فغاظنى تماما , خاصة حين قلت له , أنا هروح الشرطة أقدم بلاغ , فقال بعدم اهتمام : روح قدم بلاغ ,,,[/rtl]
[rtl]كنت أذهب إلى العمل بموتوسيكل MZ ولكنى كنت تركته فى ذلك اليوم , وذهبت بالدراجة على سبيل التغيير والرياضة , وكان اليوم عاصفا بغبار الخماسين فى شهر إبريل , قلت : سأذهب إلى بنها أتسوق , وأشترى بعض الطلبات الخاصة , وفى عودتى سأمر على قسم شرطة بنها الجديدة , وأقوم بعمل محضر , ولن يستغرق الأمر كثيرا , ولكنى كنت واهما جدا ..[/rtl]
[rtl]الساعة الرابعة تقريبا أوقفت الدراجة على حمالتها , وأردت دخول القسم , فقال لى صول حارس على الباب : رايح فين , قلت : رايح أعمل محضر عشان المدرسة مفيهاش حارس أمن ,,,,,,,,,, وحكيت الحكاية باختصار , فقال : لا , مش هنا , انت تروح تعمل بلاغ فى النجدة , وبسذاجة مفرطة ظننت أن كلامه صحيح , وكانت النجدة على بعد خطوات , فذهبت إلى النجدة , فقال لى صول يجلس إلى مكتب : ماذا تريد ؟ حكيت الحكاية , فقال : احنا مالناش دعوة , احنا نجْده , لو فيه مصيبة تتصل بينا , فقلت : المدرسه انسرقت كذا مرة قبل كده , وفيها أجهزة بمئات الألوف وهى مفيهاش حارس أمن الليلة , وهتنسرق , فقال : لما تنسرق اتصل بينا , احنا نجدة , دورنا بعد ما تحصل الحادثه أو وقتها , فقلت له : طيب يا ريت تخلى عربيات الدورية اللى بتمر بالليل تمر على المدرسة , وتضرب كام سارينه عشان الحرامية تعرف إن فيه شرطة , فقال , افرض بعد ممشينا الحرامية جات وسرقتها , قلت له : طيب أنا عايز أعمل محضر , فقال : فى هذه الحالة هناخدك فى عربية الشرطة , ونذهب إلى البندر , ونقوم بعمل المحضر ,,,,, فتركته وأنا غير مستوعب للأمر , وتعجبت جدا ,,,,,[/rtl]
[rtl]ذهبت إلى قسم شرطة بنها , فأوقفنى الحارس وهو صول عجوز , فحكيت له الحكاية باختصار , فأدخلنى , فوجدت ضابطا كبيرا , وأمامه بعض الجنود خارج المكتب , فحكيت له الحكاية بالتفصيل , فقال , مش مشكلتى , ولو أصريت على عمل محضر , همضيك على إنك مسئول عن المدرسة لعدم وجود حراسة عندنا ,,, ثم قال : اوصف لى المدرسة كده , فوصفتها , فرفع يديه الاتنتين , وقال : الحمد لله , المدرسة دى مش تبعى ,فقلت : طيب والحل , فقال روح لمركز بنها ... كنت قد تعبت من اللف , ومن تلك المعاملة وقلت فى نفسى هل هؤلاء يحبون مصر أم هم أعداء ؟ وقلت لابد أن أعرف آخر هذا الموضوع , ,,[/rtl]
[rtl]ذهبت إلى مركز بنها , وكنت فى غاية من التعب لأننى أركب الدراجة والهواء المعبأ بتراب الخماسين يعاكسنى , ويغلق رئتى , المهم تركت الدراجة بجوار كشك سجائر , وشربت بيبسى , ثم دخلت إلى المركز القريب , وكان هناك عدد من الضباط , فشرحت لأحد الضباط المشكلة , فقال : مالناش دعوة , ماعندناش حراسة , فقلت له : هبعت تلغراف لوزير الداخلية , فقال : ووزير الداخلية ماله , ابعت لوزير التربية والتعليم , ثم قال : المدرسة دى فين قلت له : فى أتريب , فقال : فين بالظبط ؟ فوصفتها فقال : مش تبعنا , ,, تركته وأنا على يقين بأن هناك أمرا لا أفهمه , لماذا يكره هؤلاء مصر هكذا ؟ ولماذا يتهرب الجميع من المسئولية , وإذا تمت سرقة المدرسة فسوف يبحث الجميع عن المسئول , وهو أنا فى هذه الحالة , أو حارس الأمن , أو العامل الغلبان ,, فى ذلك الوقت وصلت كراهيتى للواقع المصرى وللشرطة حدا غير مسبوق ,,,,[/rtl]
[rtl]ذهبت إلى سنترال محطة بنها , وكتبت تلغرافا حادا أحمل فيه إدارة بنها المسئولية فى حال سرقة المدرسة , ثم اتجهت إلى مديرية التربية والتعليم وهى مقابل سنترال المحطة , ودخلت إلى وكيل الوزارة , أو مندوب عنه , فلم أكن أعرفه , وكانت الساعة قد تعدت الخامسة والنصف , ومالت الشمس للغروب , وحكيت الحكاية , فشعرت بأن وكيل الوزارة غير مرتاح لكلامى , وكأننى أحمله مسئولية لا يريدها , فقال : انت جاى الوقتى تحكى لى المشكلة , فقلت له : أنا وكيل غلبان , ولو المدرسة انسرقت الكل هيحملنى المسئولية , فأخذنى وذهبنا إلى مكتب آخر , واتصل بمدير عام الإدارة , وقال له : جايلك الوقتى وكيل مدرسة عنده مشكلة فى الأمن , واتجه ناحيتى وقال لى : المدير العام فى مدرسة بنها الثانوية روح له وهوه هيحل لك المشكلة , فتركته وأنا أعرف أن المشكلة لن يتم حلها , لأنه من الأصل لا يوجد حل , وإنما مسئولية فقط حين تحدث المصيبة , ويقول الجميع من المسئول , وتبدأ التحقيقات ,,,, [/rtl]
[rtl]شعرت أننى ساذج جدا , لأن هذا الأمر هو الواقع المصرى الذى يتوافق معه الجميع , ولكن حين تحاول التغيير , أو حين تحاول تطبيق القانون , تكتشف أن المشكلة أكبر من قدراتك , لأن سياسة الدولة كلها ماشية بدعاء الوالدين كما يقال ,فى عصر الفساد العظيم الذى لم يتغير بعد الثورة ,,, [/rtl]
[rtl]ذهبت إلى مدرسة بنها الثانوية وقت الغروب فدخلت المدرسة , وأخذت أتجول فى المدرسة فلا أجد أحدا , وحين وجدت أحد المدرسين , قال لى : المدير العام , فى مدرسة التجارة الثانوية , أو مدرسة سوزان مبارك , لا أتذكر , وقال هناك احتفال , وحفلة عشاء , كانت الشمس قد غربت , وكانت طاقتى على الحياة قد انتهت , وانطفأت طاقة الأمل فى روحى , وكان أمامى كيلومتران سأقطعهما بالدراجة إلى بيتى , فأخذت أسب وأشتم الجميع , وكنت كتلة من الحقد والكراهية ضد كل الأوباش , وعرفت أن مصر ما هى إلا فخ كبير , وعرفت أن الكل يكره الكل , ويكره مصر , ويكره العمل , ويكره نفسه ,,,, [/rtl]
[rtl]فى اليوم التالى كان على الزميلة الموكلة بإدارة المدرسة أن تدوخ مثلى , ولكنها استفادت من تجربتى , وكلمت المدير العام بالتليفون فقال لها : أجّروا حد يحرس المدرسة الليلة . هراء طبعا , وأرسلت تلغرافا إلى المدير العام , وكان لها ضابط قريب , فأرسل حارسا يقف خارج المدرسة طوال الليل , وانتهى الأمر على لا شىء , خاصة وأن المديرة حين عادت من التدريب لم تفعل شيئا , لأن هذا هو الوضع القائم ,,[/rtl]
[rtl]بعد أيام كان متابع من المديرية فى المدرسة فحكيت له الحكاية , فقال : " مفيش حد كان هيعمل لك محضر أو هيهتم بالمشكلة , عشان بين وزارة التربية والتعليم ووزارة الداخلية مشكلة بهذا الخصوص , فوزارة التربية والتعليم طلبت حراسة مسلحة من الداخلية على المدارس , فقالت الداخلية لا مانع على أن يأخذون مرتبهم من التربية والتعليم , فرفضت التربية والتعليم , لأن مرتباتهم كبيرة وعدد المدارس بعشرات الآلاف , ,,, وهكذا يتم سرقة المدارس , خصوصا أجهزة الكمبيوتر , وحراس الأمن الذين عينتهم الوزارة بديلا عن العمال لا يوجد معهم سلاح للحراسة , ومرتباتهم الهزيلة قد تدفع بعضهم لسرقة المدارس , إنهم معينون لتحمل المسئولية فقط ,,,,,[/rtl]