أنا ونحن .. الأثرة والإيثار
حسين أحمد إسماعيل
هناك بشر رائعون وأغلى من هذه الألماسة الثمينة
وهناك العكس تماما
حسين أحمد إسماعيل
هناك بشر رائعون وأغلى من هذه الألماسة الثمينة
وهناك العكس تماما
( أنا خير منه خلقته من طين وخلقتنى من نار ) هكذا قال الشيطان بذاته المتضخمة فى مكان يجب أن تضيع فيه الأنا , ونزل بها إلى الأرض مطرودا من رحمة الله , فترصد للإنسان بجملته الشريرة , والأشد شرا فى تاريخ البشرية " أنا خير منه" ونجح أيما نجاح فى زرعها بقلب الإنسان , وها نحن نرى أثر تلك الجملة التى تنضح بالشر الخالص , وهاهو الإنسان لا يتواضع بعقله القاصر , ويظن دائما أنه أفضل من الآخرين , ويسعى ليأخذ أو يسرق ما لا يستحق " أليس أفضل من الآخرين ؟! "
ويقال : إن يوم توزيع الأرزاق كان يوما أسود على الناس , فلم يرض أحد برزقه , ويوم توزيع العقول كان يوما أبيض فكل إنسان رضى بعقله وسعد به .
والأنانية مشتقة من الأنا المتضخمة و المنتفخة على لا شىء , ويا لها من صفة دميمة ولكنها منتشرة كالهواء , وتحيط بالكثيرين مثل جلودهم وملابسهم .
قال الشيطان ( أنا ), وقالت الملائكة ( نحن)
(وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ﴾ وهذا فارق هائل بين أنا ونحن , بين الأثرة والإيثار .. ونحن نفتقد فى مصر للعمل الجماعى بسبب الأنانية المفرطة , وسيطرة صفة الأخذ القاتلة , وندرة قيمة العطاء الذى يشبه جريان ماء النيل فياضا بالخير بلا مقابل , فماذا لو طلب النيل مقابلا ماديا لخيره المجانى ؟!!
ذكر وليم لين فى كتابه : المصريون المحدثون , هذا المثال الدال : لو تقابل فارس عربى ضد فارس أجنبى , فسوف يهزم العربى الأجنبى , وإذا تقابل اثنان ضد اثنين فسوف
يتعادلان , وإذا تقابل ثلاثة ضد ثلاثة , فسوف يهزم الأجانب العرب . لماذا ؟ لأن العرب لا يحسنون العمل فى فريق . يا للهول فقد قال وليم لين هذا المثل منذ قرن ونصف القرن , وكأن تلك الصفة الذميمة قدر علينا , وواجبنا الآن أن نتخلص منها كما تخلصنا من النظام الفاسد الشيطانى .
وحال معظم الأعمال فى بلادنا أن تروس العمل لا تتوافق مع بعضها البعض ولا تتكامل , فيفسد العمل , ويحدث النشاز فى الفرقة الموسيقية , وتصبح السيمفونية ضجيجا وإزعاجا لا يحتمل , وكأننا فى قلب معركة فى غابة .. ولا يفسد الأعمال مثل عدم تطبيق القانون على الجميع لضعف أو مصلحة , أو محاباة البعض على حساب الآخرين , وكذلك انعدام الديمقراطية التى نسعى إليها سعيا حثيثا كما يسعى النبات إلى أشعة الشمس . وتطبيق القوانين يطهر جو العمل حتى تتم إزاحة معظم صفات الأنانية , فيعرف الجميع أن القوانين محترمة .
والأنانية المفرطة التى تصل لحد الهوس والحماقة هى التى تدفع البعض بشكل دائم إلى التزويغ من العمل , والتحجج بكل الحجج الممكنة , والأعذار الواهية , وأحد هؤلاء يقول ( يا عم على قد فلوسهم , يعنى ها يدونى نيشان لما اشتغل ) وأمثال هذه الكائنات لا تعمل ولا تعرف غير الأخذ , ويفسدون أى عمل , ويسعون لتخريب العمل لأن ذلك يناسبهم , والفوضى تناسبهم , لكى يهربوا بسهولة , فهم لا يعملون بدافع ذاتى , ولا يفهمون قيمة العمل .. وهم أعداء المجتمع ويكرهون أن يفيدوا أحدا بلا مقابل من فرط الغباء الروحى .. وكل هؤلاء لاينفع معهم أبدا الحديث بالدين والموعظة الحسنة .. لا ينفع معهم غير تطبيق القانون .. القوانين التى يجب أن تكون مقدسة ..